السودان: حرب بين الأخوة على أبعاد إقليمية ودولية

د.جيرار ديب يكتب

قال، مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون الإفريقية، إن العالم يراقب بقلق بالغ أفعال قوات الدعم السريع والوضع في مدينة الفاشر، بالسودان، مطالبًا بحماية المدنيين.
هذا وكانت قد أعلنت قوات الدعم السريع في السودان الأحد 26 تشرين الأول، سيطرتها على مقر قيادة الجيش في مدينة الفاشر، آخر مدينة يحتفظ فيها بالسيطرة على إقليم دارفور بغرب البلاد.
في شكل الصراع، يبدو للعالم أنه صراع بين الأخوة على النفوذ والسلطة، هو الذي اندلع في 15 نيسان 2023، بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع تحت أمرة محمد حمدان دقلو (حميدتي) هي نفسها قوات الجنجويد التي استخدمتها الحكومة السودانية في محاولتها لمحاربة التمرد المناهض لها في خلال الحرب في دارفور. حسب التقارير الأممة قتل في هذه الحرب إلى الآن أكثر من 60 ألف سوداني وتشرد أكثر من 15 مليونًا بين نازح ولاجئ.
صراع بين الأخوة على السلطة، فالسيطرة على الفاشر بالنسبة إلى قوات الدعم السريع، يعتبر انتصارًا سياسيًا مهمًا لها، وقد تعجل بتقسيم البلاد عبر تمكين هذه القوات من تعزيز سيطرتها على إقليم دارفور مترامي الأطراف، الذي أخذته قاعدة لحكومة موازية شكلتها في صيف هذا العام.
لكن مهلايا سيد بولس، بدل أن تطالب بحماية المدنيين، وهذا المطلوب، لما لا تدعو طائرة ترامب التي عبرت فوق السودان وهي في طريقها إلى آسيا للتوقيع على اتفاق هدنة بين كمبوديا وتايلاند إلى الهبوط في السودان لإبرام الهدنة؟ أليست مأساة السودانيين تستحق من إدارتكم بذل جهود أكبر لوقفها، وبدل أن يتفاخر ترامب بوقفه 8 حروب منذ وصوله إلى البيت الأبيض لتكن حرب السودان التاسعة؟ أم إن المنطقة الإفريقية المطلة على البحر الأحمر لم تتوضح الرؤية الاستراتيجية فيها لأهمية موقع ميناء بورتسودان ولما تحمل أرض البلاد من معادن لاسيما المعدن الأصفر الذي تشهد أسعاره صعودا جنونيا؟
الكثير من الأسئلة تطرح حول أسباب اندلاع هذه الحرب وعن اللاعبين المعنيين فيها، لاسيما وإن الحرب لم تعد محصورة على السلطة والنفوذ بين حميدتي والبرهان. تعدت أبعاد حرب السودان لتشمل أبعادًا اقتصادية مدمرة، وإنسانية كارثية، وسياسية معقدة، وعسكرة متشعبة، مع تداخل كبير مع أبعاد خارجية مرتبطة بالتدخلات الإقلمية والدولية. منذ اندلاع الحرب فيها ويعاني الملايين من فقدان سبل العيش وتشهد البنية التحتية على تدمير وتعطيل لكافة الخدمات الأساسية، ومع استمرارها يشهد هذا البلد أكبر أزمة نزوح في العالم، إضافة إلى مجاعة باتت تضرب مختلف مناطقه.

السيطرة على الفاشر بالنسبة إلى قوات الدعم السريع، يعتبر انتصارًا سياسيًا مهمًا لها، وقد تعجل بتقسيم البلاد

في مضمون الصراع بين السودانيين والذي تمثل بين الجيش وقوات الدعم السريع، يرى البعض أن هناك عنصرًا ثالثًا يعمل على تأجيج الصراع من أجل تمكين نفوذه وهي «الحركة الإسلامية» السودانية (تنظيم الإخوان المسلمين) التي تعمل على زيادة نفوذها في الجيش وتعتبر أن تلك الحرب الدائرة هي فرصتها لتحسين شروطها التفاوضية وتعزيز حضورها فيما بعد. تستند تلك الحركة في دعم حضورها على تلك الموجة التي تشهدها المنطقة لاسيما بعد سقوط نظام بشار الأسد ووصول الرئيس أحمد الشرع إلى السلطة. واضح إن حركة الإخون في المنطقة كما في السودان تستفيد من الحضور التركي الفاعل، إذ يبدو، على الصعيد السوداني، أن الزيارات الخارجية التي قام بها مؤخرًا البرهان لقي دعمًا واضحًا من الجانب التركي.
صحيح أن لتركيا علاقات جيدة مع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، لكنّها أيضًا لها مصالح استراتيجية في السودان لا تقبل التضحية بها بأي حال على رأسها إقامة قاعدة عسكرية تركية على البحر الأحمر. لاسيما وإن استشعرت بأنّ بدأ يتسلل لاعبون جدد إلى السودان، منها اللاعب الإيراني ذات الطموح التوسعي في القارة السمراء من بوابة الحرب في السودان بعد مقتل الرئيس السابق عمر البشير، إذ سارعت طهران إلى الطلب من البرهان لإقامة قاعدة عسكرية لها على البحر الأحمر مقدمة الدعم العسكري واللوجستي لجيشه.
تتحرك، طهران ضمن حسابات دقيقة في السودان لأنها لا تسعى إلى مواجهة مكشوفة مع القوى الإقليمية، تحديدًا تركيا التي بدأت تظهر بوادر التوتر معها من القوقاز إلى سوريا. تجلى الدخول الإيراني إلى أرض السودان بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين إيران والسعودية عام 2023، هذا ما سمح لها بتسهيل المرور إلى السودان. إذ تنظر الرياض أن الوجود الإيراني سيشكل قلقًا على الدور التركي، ويشكل هذا التدخل ورقة إضافية ضاغطة لها في وجه الأمريكي والإسرائيلي هناك، اللذين يخشيان من توسع الحضور الإيراني لما له تأثير على مصالحهما في القارة.
في تطور لافت للعلاقات الثنائية بين روسيا والإمارات المتحدة، والتي تجلت في المباحثات بين الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، وسيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، الذي تناول الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. هذه العلاقة تجد لها حضورًا في السودان من خلال تقديم الدعم لقوات حميدتي الذي تدير قواته، وفق مركز أبحاث المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية، العديد من مناجم الذهب في البلاد.
تلعب إيطاليا أيضًا دورًا في تقديم الدعم لحميدتي التي شكرها خلال مقابلة تلفزيونية باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تعاونت مع قواته، لمدة عامين. وقد يكون الاهتمام الإيطالي هذا متصلابنشأة حميدتي في إقليم دارفور المتاخم لدولتي ليبيا وتشاد، وهو يملك نفوذًا واسعًا في المنطقة ما يتيح إمكانية التعاون معه في محاولة الحدّ من الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط نحو ايطاليا ودول أوروبية أخرى.
حرب لن يوقفها لقاء «الرباعية» الذي اختتم أعماله في واشنطن، الأحد 26 تشرين الأول، ضمّ الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية والإمارات، والذي لم يحرز أي تقدم بشأن تبني خطوات عملية لتنفيذ خطتها للسلام. وعلى ما يبدو طائرة ترامب لن تحط في مطار السودان ولن يرقص مع السودانيين، بل وبكل أسف هي حرب لم تزل يرسم لاعبوها خطوطها العريضة لاسيما وهي تدخل في الحرب على القارة السمراء.

المصدر: القدس العربي