المقاتلون الأجانب في سوريا ملف شائك أمام الدولة الجديدة

بدعم تركي تمكن "الشرع" من إقناع الأمريكيين بضرورة دمجهم في الجيش

تتجه الحكومة السورية نحو إدماج المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري، وفق رغبة عبر عنها الرئيس أحمد الشرع علنا في وقت سابق، ونالت الضوء الأخضر من واشنطن وعواصم أوروبية.
فمن هم هؤلاء المقاتلون؟ وما هو المخطط الذي رسمته القيادة السورية الجديدة لاحتوائهم ؟

من أكثر الملفات سخونة منذ سقوط نظام الأسد، هو ملف المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في إنجاح ثورة السوريين ضد طغيان عائلة الأسد،

آلاف من المقاتلين الأجانب في سوريا ظلوا إلى عهد قريب “رأس الحربة” في مواجهة قوات الأسد، جعلوا التساؤلات تدور حول كيفية تعاطي الحكم الجديد مع مسألة المقاتلين الأجانب في سوريا ، ولاسيما الذين قاتلوا إلى جانب “هيئة تحرير الشام” قبل أن يعتلي زعيمها أحمد الشرع كرسي الرئاسة، وينطلق في جهود بناء دولة تبني جسور العلاقات مع محيطها الإقليمي العربي والغرب أيضا.

فهم أناس قاتلوا جنبا إلى جنب السوريين في أحلك الظروف، وهناك منهم من تزوج من سوريات ولهم أطفال سوريون.

وتمكنت القيادة الجديدة من اقناع الولايات المتحدة بضرورة إدماج هؤلاء المقاتلين في الجيش، إذ قال مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا توماس باراك إن واشنطن “وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة بالانضمام للجيش الوطني، شريطة أن يحدث ذلك بشفافية”، وفق ما أوردته وكالة رويترز.

وتسبب تعيين عدد قليل من المقاتلين الأجانب السابقين، الذين كانوا من أبرز قيادات “هيئة تحرير الشام”، في ديسمبر/كانون الأول، في مناصب عسكرية بارزة في إثارة قلق حكومات غربية، ما زاد من المخاوف المتعلقة بتوجهات القيادة الإسلامية الجديدة لسوريا.

واتخذت السلطات مؤخرا سلسلة إجراءات لتنظيم المؤسستين الأمنية والعسكرية، بينها وجوب انضمام قادة الفصائل إلى الكلية الحربية قبل درس ترقيتهم.

وظلت الولايات المتحدة تطالب القيادة الجديدة باستبعاد المقاتلين الأجانب من قوات الأمن حتى مطلع مايو/أيار. لكن المقاربة الأمريكية للوضع السوري الجديد شهدت تغييرا ملحوظا تجاه دمشق إثر جولة ترامب في الشرق الأوسط الشهر الماضي، والتي وافق خلالها الرئيس الأمريكي على رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد الأسد.

وتذهب تحليلات إلى أنه ربما حصل اتفاق أمريكي تركي بهذا الشأن لاسيما وأن إعلان عملية الدمج تزامن مع انسحابات أمريكية من قواعد شرق الفرات.

من هم هؤلاء المقاتلون؟

منذ قيام ثورة الشعب السوري المطالبة بإسقاط حكم عائلة الأسد، والتي استمرت لمدة 13 عاما، انضم آلاف السنة الأجانب لجماعات معارضة سورية. وشكل بعض المقاتلين جماعاتهم الخاصة بينما انضم آخرون لجماعات قائمة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “القاعدة” أو التحقوا بجماعات محلية، شكل البعض منها “هيئة تحرير الشام”.

واكتسب المقاتلون الأجانب داخل “هيئة تحرير الشام” خاصة سمعة التزامهم بالولاء والانضباط والخبرة العسكرية. وشكلوا العمود الفقري لوحدات النخبة في الجماعة. وحاربوا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وضد فروع من تنظيم “القاعدة” اعتبارا من 2016 عندما نأت الجماعة بنفسها عن تنظيم أسامة بن لادن.

ينتمي المقاتلون الأجانب إلى جنسيات مختلفة آسيوية وأوروبية وأمريكية وأفارقة بمن فيهم الأويغور بالإضافة إلى فصائل ربما صغيرة الحجم وكبيرة التأثير. غالبية هذه الفصائل كانت إما على توافق مع هيئة تحرير الشام أو على صلة بها بصورة أو بأخرى. وعددهم يتراوح بين 3500 و5 آلاف عنصر. خلافا لتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة اللذين بقيا على خلاف مع الهيئة التي خاضت معارك ضدهما، بحسب فرانس42.

ويشكل الأويغور العمود الفقري في جماعات المقاتلين الأجانب التي حاربت تحت لواء “هيئة تحرير الشام”، وهم من الصين ووسط آسيا، ينتمون للحزب الإسلامي التركستاني الذي يسعى لتحرير تركستان الخاضعة لاحتلال الصين.

وقال عثمان بوغرا، وهو مسؤول سياسي في الحزب الإسلامي التركستاني لوكالة رويترز:”إن الجماعة حلت نفسها رسميا واندمجت في الجيش السوري”.

خطط إدماج المقاتلين الأجانب بالجيش السوري

تنص الخطة، وفق ما نقلته رويترز عن ثلاثة مسؤولين في الجيش السوري، على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الأويغور إلى وحدة مشكلة حديثا، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري، والتي ستضم سوريين أيضا.

وهذه الفصائل هي الأقدر على مواجهة تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ والتعامل معها، وأيضا ’القاعدة‘ بتشكيلاته وبعض الفصائل غير المنضوية تحت لواء الدولة السورية الجديدة. وهو ما يمكن اعتباره أيضا أحد الأسباب التي دفعت لاتخاذ قرار الإدماج.

وإضافة لاستثمار “خبرتهم” القتالية في مواجهة أي تحركات لتنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”، ربما سيتم توظيف هؤلاء المقاتلين في مناطق مختلفة تشهد صراعات في سوريا، وربما يتم نشرهم على الحدود.

وبحسب مراقبين فإن القيادة السورية الجديدة تعاملت مع ملف الأجانب باحترافية كبيرة، ففكرة ضمهم للجيش فكرة جيدة لتفادي الأخطاء السابقة كما حصل في أفغانستان أو البوسنة أو في أماكن أخرى.

ونقلت رويترز عن مصدرين مقربين من وزارة الدفاع السورية بأن الشرع والمقربين منه حاولوا إقناع محاورين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددا لتنظيم ’القاعدة‘ أو تنظيم ’الدولة الإسلامية‘.

وفي سياق نوع من “الاعتراف بالجميل”، قال الشرع إن المقاتلين الأجانب وأسرهم قد يحصلون على الجنسية السورية لدورهم في محاربة الأسد، علما أنهم كانوا دائما يتبعون أوامره حتى بعد سقوط بشار الأسد.

لقد نفذوا تعليماته بعدم تعريض الأقليات لأي سوء وعدم مهاجمة القوات الروسية التي كانت تقصفهم قبل 24 ساعة. وهذا يدل على انضباطهم الدائم.

وربما يراهن الشرع والقيادة السورية عموما على حدوث تغييرات محتملة وتعديلات بإيديولوجية هؤلاء المقاتلين للتوافق مع مرحلة بناء الدولة.