مصر تبحث عن خيارات بديلة للغاز الإسرائيلي بعد تراجع الإمدادت
شبح أزمة طاقة يلوح في الأفق
عاد الجدل بشأن إمكانية أن تواجه مصر أزمة طاقة مع تراجع إمدادات الغاز الإسرائيلي. دق خبراء ناقوس الخطر إزاء تداعيات ذلك على الاقتصاد وسط مخاوف من انقطاعات متكررة للكهرباء. فهل تنجح القاهرة في إبعاد شبح أزمة طاقة؟
ذكرت مصادر أن مصر تجري محادثات لشراء ما بين 40 و60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال هذا العام وسط تفاقم لأزمة الطاقة.
وتتجدد المخاوف من تعرض مصر لأزمة كهرباء نتيجة أي نقص في إمدادات الغاز، مما دفع الحكومة لتأمين الاحتياجات الطارئة وزيادة وارداتها من الغاز استعدادا لذروة الطلب خلال فصل الصيف.
وأعلنت وزارة البترول المصرية الاثنين (26 مايو/ أيار 2025) عن وصول وحدة التخزين وإعادة التغييز العائمة “إنرجوس باور” إلى مصر قادمة من ألمانيا، بسعة 174 ألف متر مكعب.
وأوضحت الوزارة أن الوحدة مستأجرة من شركة “نيو فورتريس إنرجي” الأمريكية، وهي واحدة من أربع وحدات تعتزم مصر استئجارها، لم تصل منها سوى اثنتين حتى الآن.
ونقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة أن الحكومة المصرية تجري محادثات مع شركات طاقة وشركات تجارية عالمية لشراء ما بين 40 إلى 60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال.
وأشارت رويترز، في وقت سابق، إلى خفض إمدادات الغاز إلى عدد من مصانع الأسمدة لمدة 15 يوما على الأقل.
وفي هذا السياق، يرى تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، أن تقلص إمدادات الغاز لبعض الصناعات قد يؤدي إلى “بعض العواقب الاقتصادية”.
وفي مقابلة مع شبكة (DW) عربية الألمانية، أضاف أن “صناعة الأسمدة من القطاعات المتضررة، وهي تعد صناعة تصدير رئيسية في مصر. وتعاني البلاد بالفعل من عجز تجاري هائل، وهي بحاجة إلى زيادة صادراتها لا خفضها”.
وشدد كالداس على أن “تكرار انقطاع الكهرباء وتوقف الصناعة يرسل إشارة للمستثمرين المحتملين بضرورة مراعاة خطر عدم توفر الطاقة بشكل مستمر. لذا، على أي شخص يتطلع إلى الاستثمار في مصر، خصوصا في الأنشطة كثيفة الاستهلاك للطاقة، أن يعيد النظر في خياراته نظرا للانقطاعات التي شهدناها في عدة مناسبات خلال العامين الماضيين”.
ووفقا لبيانات من “ستاندرد آند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس”، اشترت مصر هذا العام 1.84 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، وهو كمية تعادل نحو 75 بالمئة من إجمالي وارداتها من الغاز في العام السابق، 2024.
زأعلنت الحكومة المصرية عن اكتشافات جديدة للغاز والزيت في الصحراء الغربية وخليج السويس.
واضطرت مصر إلى خفض إمدادات الغاز عن بعض مصانع الأسمدة بسبب انخفاض إمدادات حقل الغاز البحري الإسرائيلي “ليفياثان”، نتيجة أعمال صيانة دورية.
وتشير إحصاءات مبادرة البيانات المشتركة (جودي) إلى أن مصر تعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الإسرائيلي، التي تمثل ما بين 40 وحتى 60 بالمئة من إجمالي وارداتها، وما بين 15 و20 بالمئة من استهلاكها.
ومع ذلك، تواجه مصر احتمال دفع مبالغ أكبر مقابل الحصول على الغاز، إذ قال مصدران آخران في القطاع لرويترز إن إسرائيل تسعى إلى رفع أسعار صادراتها من الغاز بنسبة 25 بالمئة.
وترتبط أسعار الغاز الإسرائيلي بأسعار النفط، التي انخفضت، في حين ترتبط أسعار الغاز الطبيعي المسال بمؤشرات مرجعية أخرى مثل مؤشر “جيه.كيه.إم” الآسيوي، وسعر الغاز القياسي الأوروبي في مركز “تي.تي.إف” الهولندي، أو أسعار “هنري هب” في الولايات المتحدة.
أزمة الغاز.. بدائل مصر وما هو الحل الأمثل؟
وقال أحد المصادر لرويترز إن مصر قد تحتاج الآن إلى ما يصل إلى 60 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتغطية الاحتياجات حتى نهاية عام 2025، مضيفا أن الطلب قد يرتفع على المدى الطويل إلى ما يصل إلى 150 شحنة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي من القاهرة، إن الحل الأمثل هو أن يكون لدى مصر أكثر من مصدر لتوفير الغاز مع “حديث عن اتفاقات مع روسيا، وكذلك اتفاقات لشراء الغاز المسال من الولايات المتحدة وتركيا، بالإضافة إلى الاتفاقية الحالية مع إسرائيل”.
وفي مقابلة صحفية ، أضاف عبدالمطلب: “في اعتقادي، تنويع اتفاقات الغاز يوفر لمصر بدائل مضمونة إلى حد ما، في حال حدوث أي مشاكل تمنع تدفقات الغاز، سواء المنتج من الآبار المصرية أو الوارد عبر الأنابيب من إسرائيل”.
وشدد على أن “أي نقص في شحنات الغاز، سواء كان الغاز المسال أو الغاز الطبيعي عبر الأنابيب، يؤدي إلى الكثير من المشاكل، أبرزها عدم انتظام إمدادات الكهرباء”.
وعانت مصر خلال العامين الماضيين من انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة لانخفاض إمدادات الغاز الطبيعي، وبلغ إنتاج مصر من الغاز في فبراير/ شباط أدنى مستوى له منذ تسع سنوات، فيما أدى نقص العملة الصعبة إلى تأخير سداد المدفوعات لشركات النفط العالمية، مما حد من أعمال التنقيب وأبطأ إنتاج النفط والغاز.
وأشار كالداس إلى أن “انخفاض إنتاج الغاز محليا وزيادة الاعتماد على الواردات يؤديان إلى تفاقم عجز الحساب الجاري للبلاد بشكل كبير، مما يفاقم من أزمة نقص الدولار”. وأضاف أن “الحكومة المصرية تواجه تحديا في الحفاظ على ما يكفي من العملة الصعبة لتغطية تكاليف الواردات وخدمة الدين والتجارة وما إلى ذلك”.
وتابع نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: “مصر تنفق حاليا مبالغ طائلة من المال لاستيراد الهيدروكربونات، سواء كانت وقودا أو نفطا أو غازا طبيعيا، لمواصلة تشغيل محطات الطاقة الخاصة بها، وهذا ليس حلا مستداما إذا استمر الإنتاج في التراجع”.
أزمة الكهرباء في مصر… كيف سيتأثر المواطن بها؟
وقد تضطر البلاد إلى إنفاق ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار، وفقا لأسعار الغازالحالية، لشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال، مما يثقل كاهل خزينة الدولة التي تعاني أصلا من ضغوط مالية كبيرة.
ويعتقد نهاد إسماعيل، الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة والمقيم في لندن، أن هذا الوضع “يدعو للقلق، إذ إن مصر ستبقى بحاجة إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال حتى عام 2030”.
يأتي ذلك رغم خطط مصر الطموحة لتصبح دولة رئيسية مصدرة للغاز، بعد اكتشاف شركة “إيني” حقل “ظهر” البحري عام 2015، والذي يعد أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط، ويقع شمال مدينة بورسعيد.
عانت مصر خلال العامين الماضيين من انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة لانخفاض إمدادات الغاز. (ارشيف)عانت مصر خلال العامين الماضيين من انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة لانخفاض إمدادات الغاز. (ارشيف)
عانت مصر خلال العامين الماضيين من انقطاعات متكررة للكهرباء نتيجة لانخفاض إمدادات الغاز. (ارشيف)صورة من: Khaled Desouki/AFP/Getty Images
حقول الغاز المصرية.. لماذا لا تكفي؟
خلال الشهر الجاري، أعلنت الحكومة المصرية عن اكتشافات جديدة للغاز والزيت في الصحراء الغربية وخليج السويس، وسط توقعات بأن تضيف هذه الاكتشافات نحو 30 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا للإنتاج المحلي.
وفي مطلع العام الجاري، أعلن عملاق النفط والغاز الأمريكي شركة “إكسون موبيل” عن اكتشاف الغاز الطبيعي قبالة سواحل مصر، بعد حفر بئر استكشافية في البحر الأبيض المتوسط.
ورغم هذه الاكتشافات، يتساءل كثير من المصريين: لماذا لا تلبي هذه الحقول حاجة البلاد من الغاز؟
وفي معرض إجابته، قال نهاد إسماعيل إن “الإعلان عن اكتشافات جديدة للنفط والغاز لن يحل مشكلة الطاقة في مصر بالسرعة التي يتمناها البعض”.
وأضاف أن “هناك عادة فترة تمتد لعدة سنوات بين الاكتشاف وبدء الإنتاج، فضلا عن الحاجة إلى استثمارات مالية كبيرة ودراسات جيولوجية للتأكد من أن الحقول الجديدة تحتوي على احتياطات مجدية ماليا، تبرر الدخول في المشروع وإنتاج كميات قابلة للاستغلال التجاري تدر عائدا للشركة العاملة وللدولة”.
مصر وشمسها؟
يتزامن الحديث عن أزمة محتملة في الغاز مع خطط الحكومة المصرية للإسراع في توفير الطاقة المتجددة، لتخفيف حدة النقص في الكهرباء وتصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا.
لكن هذه الخطط تواجه تحديات في تمويل مشروعات تجديد الشبكة، وتدشين استثمارات لبناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح.
وقد وقعت مصر عددا كبيرا من مذكرات التفاهم في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، منذ استضافتها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 27) عام 2022. وتطمح مصر إلى تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة، وكذلك إلى أوروبا عبر كابل بحري يمتد إلى اليونان.
وفي هذا السياق، شدد كالداس على ضرورة حدوث “تحول أكبر بكثير نحو الطاقة المتجددة”.
ومتحدثا إلى DW عربية، أضاف: “رغم أن هذه المصادر تتطلب رأس مال كثيفا لإنشائها، إلا أنها لا تتعرض على المدى الطويل لنفس القدر من الضعف تجاه تغيرات الأسعار والاضطرابات التي تحدث في مجالات الطاقة الأخرى”.
*نقلا عن شبكة DW عربية الألمانية