رسائل طهران لأمريكا: “أمنكم الرقمي ليس خارج نطاقنا”

ضربة مايكروسوفت في تل أبيب تحمل أبعادًا أمنية وتكنولوجية وسياسية

في تصعيد غير مسبوق، استهدفت طائرة مسيّرة يُشتبه بأنها إيرانية مبنى يضم منشآت تابعة لشركة “مايكروسوفت” الأميركية في تل أبيب، في ضربة رمزية حملت أبعادًا أمنية وتكنولوجية وسياسية في آنٍ واحد. الهجوم الذي لم يسفر عن خسائر بشرية، ألحق أضرارًا مادية بمرافق رقمية وشبكية داخل المقر، بحسب ما أفادت به القناة 12 الإسرائيلية.

مايكروسوفت في إسرائيل: مركز أبحاث واستثمار استراتيجي

تُعد مايكروسوفت واحدة من أقدم شركات التكنولوجيا الأميركية العاملة في إسرائيل، حيث افتتحت أول مركز لها في التسعينيات، ثم وسّعت استثماراتها لتضم مراكز أبحاث وتطوير في حيفا وتل أبيب، يعمل فيها أكثر من 2000 موظف، وفق تقرير نشرته صحيفة “ذا ماركر” الاقتصادية الإسرائيلية.

تلعب هذه المراكز دورًا حيويًا في تطوير الذكاء الاصطناعي، تقنيات الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية – وهي مجالات تُعد بالغة الحساسية في المنافسة التكنولوجية بين الشرق والغرب

رسائل طهران: “أمنكم الرقمي ليس خارج نطاقنا”

الضربة حملت في توقيتها ومكانها رسائل عديدة. يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط د. عبد الله خطيب في تصريح لموقع “الميادين نت” إن إيران اختارت هذا الهدف بعناية: “مايكروسوفت ليست مجرد شركة، بل رمز للهيمنة التكنولوجية الأميركية، واستهدافها في قلب إسرائيل يعني أن إيران لم تعد تحصر ردودها في المجال العسكري التقليدي”.

ويضيف: “الرسالة هنا أن طهران ترى المعركة شاملة، وأن المصالح الأميركية في المنطقة لم تعد محمية، مهما تنوعت أو تقنعت برداء الاقتصاد المدني”.

المخاوف الأميركية: الشركات العابرة للقارات في مرمى النار

بحسب ما نقلته صحيفة هآرتس عن مصدر أمني إسرائيلي، فإن مسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية أبلغوا واشنطن بأن هذا النوع من الهجمات قد يتكرر، وقد لا يقتصر على مايكروسوفت فقط، بل يمتد لشركات مثل غوغل وأمازون، اللتين تمتلكان بدورهما مراكز بيانات وأبحاث في إسرائيل.

ورغم عدم صدور رد رسمي من وزارة الدفاع الأميركية حتى الآن، أفادت مجلة بوليتيكو الأميركية أن “مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض يدرسون تداعيات هذا النوع من الاستهداف الذي يدمج بين الحرب النفسية والاقتصادية”.

حرب هجينة بثوب رقمي

يرى الباحث في شؤون الدفاع السيبراني إيال كوهين، في حديث مع صحيفة “جيروزاليم بوست”، أن ما جرى “هو تجسيد عملي للحروب الهجينة، حيث تختلط القوة العسكرية بالتقنية والرمزية، وحيث تتحول الشركات إلى ساحات قتال جديدة”.

ويحذر من أن نجاح هذه الضربة – ولو بشكل جزئي – قد يشجع قوى إقليمية أخرى على تقليد إيران، ما يفتح بابًا أمام “هجمات رمزية ذات أثر نفسي واستراتيجي عميق”.

في الختام هجوم طهران على مقر مايكروسوفت لم يكن مجرد رد على تصعيد عسكري، بل هو تحوّل استراتيجي في فهم إيران لطبيعة الصراع. فبدلًا من الاكتفاء بضرب القواعد والمنشآت، اختارت هدفًا يمثل “أمريكا الناعمة” داخل إسرائيل، في رسالة واضحة: “إنكم لستم في مأمن، لا في الجيش، ولا في الشركات.”