الهنود في الخليج: شراكة اقتصادية أم نفوذ مقلق؟

أكبر جالية أجنبية

يشكّل الهنود أكبر جالية أجنبية في دول الخليج، ويُقدّر عددهم بأكثر من 8 ملايين شخص، يتوزعون في مختلف القطاعات الحيوية. لكن مع تعاظم التحالف بين الهند وإسرائيل، والعداء بين نيودلهي وطهران، يطرح المراقبون أسئلة أمنية واستراتيجية حول هذا الوجود في حال تبدّلت موازين السلم إلى تصعيد أو حرب.

حجم العمالة الهندية في دول الخليج

تُعد الهند أكبر مصدر للعمالة إلى الخليج، وتشير التقديرات إلى أن:

في الإمارات: عدد الهنود يتجاوز 3.4 مليون، ويشكّلون نحو 30% من السكان حسب وزارة الشؤون الخارجية الهندية

في السعودية: يصل عددهم إلى نحو 2.6 مليون عامل ومقيم وفق وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية

في الكويت: يبلغ عددهم قرابة 900 ألف، أي خمس سكان البلاد وفق إدارة الهجرة الكويتية

في قطر: يُقدر عددهم بـ800 ألف تقريبًا بحسبةجهاز التخطيط والإحصاء القطري

في عمان: يبلغ عددهم نحو 700 ألف وفق وزارة العمل العمانية

في البحرين: عددهم يناهز 350 ألف شخص بحسب هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية البحرينية

 

أسباب النفوذ الهندي العميق في الخليج

1. جذور تاريخية وثقة قديمة

ارتبط الهنود بالتجارة والسفر للخليج منذ قرون، وكانوا من أوائل من سكنوا المدن الساحلية الخليجية لأغراض تجارية، وهو ما مهّد لحضور دائم حسب صحيفة ذا ديبلومات

2. تفوق مهني وتكنولوجي

يمتلك الهنود حضورًا قويًا في مجالات الطب والهندسة وتقنية المعلومات، ويُشكلون مثلًا 60% من الأطباء الأجانب في الكويت وعُمان حسب وزارات الصحة الخليجية 2022–2023

3. حياد سياسي ظاهري

رغم تحالفها مع إسرائيل، تتبع الهند سياسة “عدم الانحياز الصريح” وتحافظ على علاقات متزنة مع إيران ودول الخليج، ما يعزز ثقة الخليج بها وفق مؤسسة بروكينغز الأمريكية

التحليل السياسي: الجالية الهندية بين التوظيف الاقتصادي والاحتمال الأمني

1. الخليج والهند: تحالف اقتصادي أم اصطفاف جيوسياسي؟

شهدت السنوات الأخيرة تناميًا في العلاقات الهندية الخليجية، مدفوعًا بحاجة الخليج إلى الأيدي العاملة الماهرة، وبحث الهند عن أسواق وشراكات طاقية. لكنه لم يعد محصورًا في الاقتصاد، بل تمدد ليشمل التعاون الأمني والمعلوماتي وفق ما أفادت صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية

2. الهند وإسرائيل: تقارب يزعج إيران ويقلق التوازن

الهند ثاني أكبر مشترٍ للسلاح الإسرائيلي، والتحالف العسكري والاستخباراتي بين الطرفين يضع الخليج في مرمى الحسابات الإيرانية، إذا ما استُخدم هذا النفوذ للتأثير عبر الجاليات أو التكنولوجيا بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية

3. الجالية الهندية: اختراق ناعم محتمل؟

تم الكشف عن حالات تجسس لهنود في إيران خلال الأعوام الأخيرة، مما يشير إلى أن بعض عناصر الجالية قد تُستخدم استخباراتيًا، خاصة مع توسع نفوذ نيودلهي الأمني والتقني حسبةوكالة تسنيم الإيرانية، وكالة فارس

4. تحويلات مالية كسلاح ضغط

تحويلات العمالة الهندية من الخليج إلى بلادهم تجاوزت 50 مليار دولار سنويًا، وقد تستخدم الهند هذا الرقم للضغط في أي توتر دبلوماسي أو تجاري وفق تقرير البنك الدولي للتحويلات 2023

5. التركيبة السكانية تحت المجهر

في حالات الطوارئ أو الشغب، قد تمثّل الجالية الهندية – بفضل حجمها الهائل – نقطة خلل أمني وسكاني، خاصة في دول صغيرة مثل الكويت وقطر وفق مركز كارنيغي للشرق الأوسط

الموقف الإيراني من النفوذ الهندي في الخليج

تراقب طهران تنامي النفوذ الهندي في الخليج بعين الريبة، خاصة بعد تعزيز التعاون الهندي الإسرائيلي في الأمن السيبراني والتقنية. وقد أعربت مرارًا عن قلقها من التحالف الثلاثي الخليجي–الهندي–الإسرائيلي وفق وكالة تسنيم الإيرانية 2023

هل يمكن تقليل الاعتماد على العمالة الهندية؟

رغم محاولات التوطين في السعودية والإمارات، لا تزال الكفاءات الهندية ضرورية في مجالات البرمجة والطب والخدمات. حتى الآن، لم تنجح البدائل من دول أخرى في تعويض هذا الدور بحسب تقرير أسواق العمل الخليجية 2023

المعابد الهندوسية في الخليج وتأثيرها على النسيج الإسلامي

شهدت بعض دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والبحرين، إقامة معابد هندوسية كبرى، في إطار الانفتاح الديني والتسامح الثقافي.

ورغم أن هذه الخطوات تعكس التعددية التي تشهدها المجتمعات الخليجية الحديثة، إلا أنها أثارت تحفظات داخل بعض الأوساط الإسلامية التي ترى فيها تغريبًا عن الهوية الدينية، وتطبيعًا ثقافيًا مع قوى إقليمية مرتبطة بتحالفات سياسية مقلقة.

كما يرى مراقبون أن ترسيخ رموز دينية غير إسلامية على نطاق مؤسسي، في مجتمعات إسلامية محافظة، قد يؤدي إلى توتر اجتماعي صامت يتفاقم في لحظات الأزمات.

في النهاية الهند ليست مجرد مزود للعمالة، بل شريك له نفوذ استراتيجي متنامٍ في الخليج. وفي زمن التوترات، قد تتحول الجالية من عنصر بناء اقتصادي إلى أداة ضغط أو اختراق. التعامل مع هذا الملف لم يعد خيارًا إداريًا، بل ضرورة أمنية واقتصادية واستراتيجية تستدعي إعادة نظر شاملة في بنية الاعتماد على العمالة الأجنبية.