العنف ضد مسلمي الروهينجا في ميانمار مأساة إنسانية مستمرة

وسط غياب حل سياسي شامل

تُعد ميانمار (بورما سابقًا) واحدة من أكثر الدول التي شهدت انتهاكات ممنهجة ضد الأقليات، وخصوصًا المسلمين من طائفة الروهينغا. تعيش هذه الأقلية في ولاية راخين (أراكان) غرب البلاد، وقد واجهت لعقود طويلة التمييز والعنف والاضطهاد من قبل الدولة وجماعات بوذية متطرفة، في ظل صمت أو دعم غير مباشر من الحكومات المتعاقبة.

الخلفية التاريخية

يرجع وجود الروهينغا في ميانمار إلى قرون عديدة، لكن الحكومة لا تعترف بهم كمواطنين، وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش بموجب قانون الجنسية لعام 1982، الذي استثناهم من قائمة القوميات المعترف بها. هذا القانون جعلهم عديمي الجنسية، محرومين من الحقوق الأساسية كالتعليم، العمل، والتنقل.

العنف الممنهج

في عام 2012، اندلعت أعمال عنف طائفية واسعة النطاق بين البوذيين والروهينغا، أسفرت عن مئات القتلى وتشريد عشرات الآلاف. تفاقمت الأزمة في عام 2017 حين شنت قوات الجيش والشرطة عملية عسكرية واسعة ضد الروهينغا، عقب هجمات محدودة من جماعة مسلحة تُعرف بـ”جيش إنقاذ روهينغا أراكان” (ARSA).

لكن رد الفعل الحكومي كان غير متناسب، حيث اُتهم الجيش بارتكاب مجازر وعمليات اغتصاب جماعي وإحراق قرى بأكملها، مما أدى إلى فرار أكثر من 740,000 لاجئ إلى بنغلاديش.

وصفت الأمم المتحدة هذه العمليات بأنها “نموذج كتابي للتطهير العرقي”، وربما ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية بحسب تقارير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ميانمار.

ردود الفعل الدولية

واجهت ميانمار انتقادات حادة من المجتمع الدولي. فقد قدمت غامبيا دعوى ضد ميانمار أمام محكمة العدل الدولية في عام 2019، متهمة الحكومة بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.

كما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على عدد من كبار قادة الجيش.

لكن رغم الضغوط، لم تشهد أوضاع الروهينغا تحسنًا ملموسًا، إذ لا يزال مئات الآلاف منهم يعيشون في مخيمات لاجئين مكتظة في بنغلاديش، دون أمل حقيقي في العودة الآمنة إلى ديارهم، وسط غياب حل سياسي شامل.

إدانة حقوقية وسياسية

هذا وقد أدان العديد من الحقوقيين والسياسيين حول العالم الجرائم المرتكبة ضد الروهينغا، واعتبروها من أسوأ أشكال انتهاكات حقوق الإنسان في العصر الحديث.

وصف المفوض السامي السابق لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، زيد رعد الحسين، العمليات العسكرية بأنها “مثال واضح على التطهير العرقي”.

أما المحامية الدولية أمل كلوني، فقد دعت إلى محاكمة المسؤولين عن الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية. سياسياً، صرّحت رئيسة الوزراء البنغلاديشية، الشيخة حسينة، بأن بلادها “لن تترك الروهينغا وحدهم في مواجهة الإبادة”.

من جانبها، اتُّهمت الزعيمة الميانمارية السابقة أونغ سان سو تشي بالصمت المتواطئ، ما أدى إلى فقدانها الكثير من الدعم الدولي.

كما طالب نواب في البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة بفرض عقوبات صارمة على جيش ميانمار. تعكس هذه المواقف حجم القلق الدولي حيال استمرار الانتهاكات وغياب العدالة.

وفي الختام تمثل مأساة الروهينغا نموذجًا صارخًا للعنف ضد الأقليات الدينية والعرقية في العالم الحديث. إنها قضية تتطلب اهتمامًا مستمرًا من المجتمع الدولي، ليس فقط على صعيد الإغاثة الإنسانية.

بل أيضًا من حيث المساءلة القانونية والضغط السياسي لضمان حقوق الإنسان الأساسية لهذه الأقلية.